فهذه هي القاعدة العظيمة التي علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة، وأعلنها وبدأ بنفسه، وعلمها أصحابه، الذين كان التفاخر بالأحساب والأنساب عندهم أصلاً عظيماً، حتى إن الله عز وجل علمهم في الحج فقال: (( فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ))[البقرة:200]؛ لأنهم كانوا إذا أفاضوا من عرفات ، وجاءوا إلى المشعر الحرام، ونزلوا هنالك قام كل منهم ويفتخر: أنا ابن فلان، ونحن آل فلان، ونحن فعلنا وفعلنا.. ويذكر المناقب والمآثر والخلال الحميدة، والأرومات العتيدة.. إلى آخر ما يتناشدون فيه، فأمر الله سبحانه وتعالى عباده الصالحين أن يذكروا الله كما كانوا يذكرون آباءهم أو أشد ذكراً، وأن يعظموا الله عز وجل في مشاعر جعلها شعائر لدينه، وليتقى ويعبد فيها وحده لا شريك له.
فالمقصود: أن هذه العادات الجاهلية حاربها النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً، ولذلك جاء في الحديث الصحيح الآخر: ( لينتهين أقوام عن الفخر بآبائهم، وإنما هم من فحمان جهنم؛ أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده القذر بأنفه )، فهذا الوصف هو غاية ما يمكن أن تتخيله من الحط من شأن من يفعل هذا الفعل، أو يعتقد هذا الاعتقاد، فشبهه بالجعل الذي يدهده القذر، وهو ما يخرج من الناس، والجعل دابة من الدواب، وهو يقوم بدحرجة ودهدهة وتحريك القذر بأنفه مباشرة، وهذه غاية الوضاعة، وغاية الخسة، وغاية الحقارة.
فهؤلاء لما كانوا يفتخرون بآبائهم -وهم من فحم جهنم- الذين كانوا في الجاهلية، وإن كانوا في الإسلام فلا يدري الإنسان ما حال آبائه عند الله؛ لذلك عوملوا بنقيض ما يعتقدون، وليكونن أهون على الله من هذا الحيوان القذر الذي لا يتورع أن يدحرج النجاسة بأنفه، وهذا المثل يكفي الإنسان لو تدبره وتصوره، وسيعرف ما الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء المتكبرين.